فصل: فصل في ذكر الصلاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في ذكر الصلاة:

.قال ابن الجوزي:

.المجلس الثالث في ذكر الصلاة:

الحمد لله الذي أوضح سبيل هدايته لأرباب ولايته وأبهج وحرك أهل عبادته إلى معاملته وأزعج وأبدع بدائع قدرته في محكم صنعه وأخرج وأوقد نيران محبته في أفئدة أحبته وأجج من عرف لطفه ثنى عطفه إليه وأدلج ومن خاف عتبه ترك ذنبه وتحرج يحب الإخلاص في الأعمال ولا يخفى عليه البهرج حليم فإن غضب مكر بالعبد واستدرج لا يغتر بحلمه فكم عقاب في الحلم أدرج واعتبر بأبيك إذ فسح لنفسه في شهوة وأمرج وحام حولي المنهي اغترارا بالصفح وعرج كيف أصبح إكرامه بمرير الهوان يمزج وأضحى بنسج الصوف إذ عرى عما ينسج وصار مغبر القدمين بعد فرس العز المسرج ولم تزل تجري دموع عينيه إلى أن تاب عليه وفرج لا يخفى عليه ضمير القلب وإن تلوى اللسان ومجمج ولا يغيب عن بصره في سواد الليل طرف أدعج يبصر جري اللبن يسري في العروق نحو المخرج وينزل إلى السماء الدنيا فأين الذي بالمناجاة يلهج فيستعرض الحوائج إلى أن يلوح الفجر ويتبلج وما انتقل ومن عقل رأى الحق أبلج هذا مذهب من القرآن القديم والنقل القويم مستخرج وهو المنهاج العظيم فلا تعرج عن المنهج أحمده على ما سر وما أزعج وأشهد بوحدانيته بغير تلجلج شهادة موقن ما لجلج وأن محمدا عبده ورسوله الذي محاسن الشرائع في شريعته تدرج صلى الله عليه وعلى أبي بكر أول من أنفق من ماله وأخرج وعلى عمر الذي اضطر كسرى إلى الهرب وأحوج وعلى عثمان المظلوم وقد عذل وما عدل ولا عرج وعلى علي مبيد الطغاة وآخرهم المخدج وعلى عمه العباس الذي قرن الله نسبه بنسب الرسول وأزوج.
أخبرنا هبة الله بن محمد قال حدثنا الحسين بن علي التميمي أنبأنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي يقول حدثني الوليد بن هشام المعيطي حدثنا معدان بسنده إلى ابن أبي طلحة اليعمري قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أخبرني بعمل أعمله يدخلني الجنة أو قال قلت بأحب الأعمال إلى الله فسكت ثم سألته الثانية فسكت ثم سألته الثالثة فقال سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة قال معدان ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ما قال لي ثوبان انفرد بإخراجه مسلم اعلم أن الله عز وجل عظم قدر الصلاة لأنها أوفى خدمة العبد والمراد من العبد التعبد وهي جامعة بين خضوع بدنه ونطق لسانه وحضور قلبه وإن الله تعالى جعل عبادة ملائكته بين سجود وركوع وذكر وذلك مجموع في الصلاة وليس لنا فعل يدخل به الكافر في حكم الإسلام ويخرج بتركه المسلم من الإسلام إلا الصلاة فإن عندنا أن الكافر إذا صلى حكم بإسلامه سواء صلى مع جماعة أو منفردا فيجبر عندنا على الإسلام وعن أبي حنيفة روايتان إحداهما كقولنا والثانية اشترط أن يكون في جماعة وقال الشافعي إذا صلى الحربي في دار الإسلام حكم بإسلامه وأما تارك الصلاة فلا يختلف مذهبنا عن مذهب أحمد رضي الله عنه أنه يقتل حدا أو كفرا فيه روايتان إحداهما يقتل لكفره وهو قول عمر وابن مسعود وابن عباس وجماعة وجابر والشعبي والأوزاعي رضي الله عنهم وقد دل على هذا ما أخرجه مسلم في أفراده من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين العبد وبين الكفر ترك صلاة» والرواية الثانية «يقتل حدا لا أنه يكفر» وهو قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة يحبس ولا يستتاب ولا يقتل واعلم أن الشرع عظم أمر الصلاة وضرب الأمثال بفضلها أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم أنبأنا أبو عامر الأزدي وأبو بكر الغورجي قالا أخبرنا أبو محمد الجراحي أنبأنا أبو العباس المحبوبي أنبأنا الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الهادي عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا أخرجاه في الصحيحين وفي أفراد مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» وفي أفراده من حديث عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله» أخبرنا سعيد بن أحمد بسنده إلى مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن فضل أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
وقد فضل الشرع تقديم الصلاة في أول الوقت ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى قال الصلاة على وقتها وفضلت الصلاة في الجماعة ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة الجماعة تفضل على الصلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى أربعين يوما في جماعة لم تفته ركعة واحدة كتب الله له برائتين براءة من النار وبراءة من النفاق».
أخبرنا محمد بن ناصر بسنده قال البغوي سمعت عبد الله بن عمر القواريري يقول لم تكن تفوتني صلاة العتمة في جماعة فنزل بي ضيف فشغلت به فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة فإذا الناس قد صلوا وخلت القبائل فقلت في نفسي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ خمسا وعشرين درجة» وروي: «سبعا وعشرين» فانقلبت إلى منزلي فصليت العتمة سبعا وعشرين مرة ثم رقدت فرأيتني مع قوم راكبي أفراس وأنا راكب فرسا كأفراسهم ونحن نتجارى فالتفت إلى أحدهم فقال لا تجهد فرسك فلست بلاحقنا فقلت فلم ذاك قال إنا صلينا العتمة في جماعة وورد الثواب لمنتظر الصلاة فروي في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه إلا انتظارها» وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه إلا انتظارها» وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فعقب من عقب ورجع من رجع فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسر ثيابه عن ركبتيه فقال أبشروا يا معشر المسلمين فهذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول هؤلاء عبادي قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى وقد عظم الصف الأول» فروي في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو يعلم الناس ما في الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا» وفي أفراد مسلم من حديث أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو يعلم الناس ما في الصف المقدم لكانت قرعة». وقد أمر المصلي بخفض رأسه استعمالا لأدب الخدمة فروى مسلم في أفراده من حديث جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم» وأمر المصلي بالتثبت في الركوع والسجود حدثنا الكروخي بسنده عن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقيم فيها الرجل يعني صلبه في الركوع والسجود» وفي حديث ابن شيبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ينظر الله تعالى إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود» واعلم أن المقصود بالصلاة إنما هو تعظيم المعبود وتعظيمه لا يكون إلا بحضور القلب في الخدمة وقد كان في السلف من يتغير إذا حضرت الصلاة ويقول أترون بين يدي من أريد أن أقف وأنت تعلم أن من حضر قلبه في تعظيم سلطانه فحضر بين يديه من يعرف من إلى جانبه امتلأ بهيبة المعظم فإذا أردت استجلاب حضور قلبك الغائب ففرغه من الشواغل مهما استطعت وقد كان أرباب التفكر من السلف يشاهدون في كل شيء عبرة فيذكرون بالأذان نداء العرض وبطهارة البدن تطهير القلب وبستر العورة طلب ستر القبائح من عيوب الباطن وباستقبال القبلة صرف القلب إلى المقلب فمن لم تكن صلاته هكذا فقلبه غافل يا هذا إذا صليت والقلب غائب وجوده فالصلاة كالعدم وهو بالروم مقيم وله بالشام قلب يا ذاهل القلب في الصلاة حاضر الذهن في الهوى جسده في المحراب وقلبه في بلاد الغفلة جاء مملوك إلى سيده فقال ضاعت مخلاة الفرس فقام السيد يصلي فلما فرغ من الصلاة قال هي في موضع كذا وكذا فقال الغلام يا سيدي أعد الصلاة فإنك كنت تفتش على المخلاة قال الحسن يابن آدم إذا هانت عليك صلاتك فما الذي يعز عليك ولما كان المطلوب حضور القلب جاء الوعد بالثواب الجزيل عليه أخبرنا ابن الحصين بسنده عن زيد بن أسلم عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى سجدتين لا يسهو فيهما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قام إلى الصلاة فأتم ركوعها وسجودها». والقراءة فيها قالت حفظك الله كما حفظتني ثم يصعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور فتفتح لها أبواب السماء حتى تنتهي إلى الله عز وجل فتشفع لصاحبها فإذا لم يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها قالت ضيعك الله كما ضيعتني ثم أصعدت إلى السماء وعليها ظلمة فأغلقت دونها أبواب السماء فلفت كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها.
الكلام على البسملة:
لا تأسفن لأمر فات مطلبه ** هيهات ما فائت الدنيا بمردود

إذا اقتضت أخذت نقدا وإن سئلت ** فدأبها بالأماني والمواعيد

وما السرور بها الموروث آخره ** أن يتبع الحرص إلا قلب مكدود

وللتأسف يبقى كل مدخر ** وللمنية يغدو كل مولود

يا مخلوقا من علق اكتف من الدنيا بالعلق واحذر في ري الهوى من شرق وتذكر يوم الرحيل ذاك القلق وتفكر في هاجم يسوي بين الملوك والسوق وتأهب له فربما بكر وربما طرق يا من شاب وما تاب استلب باقي الرمق أبعد الحلم جهل أم بعد الشيب نزق كان الشباب غصنا غضا فخلي عن ورق وأنت في الشباب كالشيب تجري على نسق يا غريقا في الهوى صح من قبل الغرق كم طالب خلاصا لما فات ما اتفق ليأتينك من الموت ما لا يقبل رشوة ولا مالا إذا حال على القوي والقويم مالا يا مختار الهوى جهلا وضلالا لقد حملت أزرك أوزارا ثقالا إياك والمنى فكم وعد المنى محالا كم قال لطالب نعم نعم سأعطيك نوالا وقد نوى لا كم سقى الموت من الحسرات كؤوسا كم فرغ ربعا عامرا مأنوسا كم طمس بدورا وشموسا واستلب نعيما ثم أعطى بوسا وأذل جبابرة كانوا شوسا وأغمض عيونا ونكس رؤوسا وأبدل التراب عن الثياب ملبوسا:
إذا كان ما فيه الفتى عنه زائلا ** فشتان فيه أدرك الحظ أو أخطا

وليس بفي يوما سرورا وغبطة ** بحزن إذا المعطي استرد الذي أعطا

ذهب الشباب الأسود وانقضى العيش الأرغد وقال الشيب أنا الموت وما أبعد هذا وقلب الغافل كالجلمد:
لا بدع إن ضحك الفقير ** فبكى لضحكته الكبير

عاصى العزاء عن الشباب ** وطلوع الدمع الغزير

سقيا لأيام مضت ** فطويلها عندي قصير

سقى الشباب وإن عفى ** آثار معهده القتير

ما كان إلا الملك أودى ** بل هوى وهوى السرير

هون عليك فإنها ** خلع أعاركها معير

والدهر يقسم مرة ** نفلا وآونة يغير

كل راحات الدنيا هموم وكروب أما دوام العيش بالمشيب مشوب نظر سليمان بن وهب وزير المهتدي يوما في المرآة فرأى شيبا كثيرا فقال عيب لا عدمنا أنت كل يوم إلى القبر تتقرب وسترحل إلى البلى وتتغرب وسيأكل المحب بعدك ويشرب وكأنك إذا ذكرت أضرب فخذ العدة فخيل الشدة تسرب واسمع نصحي فنصحي مجرب يا هذا احذر الأمل وبادر العمل فكأنك بالأجل على عجل أما الأعمار كل يوم ناقصة أما الفجائع واردة واقصة أما النكبات لأهلها معاقصة أما كف الموت قابضة قانصة فأنى لساكن الدنيا بالسلامة الخالصة كأنك بالموت قد ثلب وقدح وأورى زناد الرحيل وقدح وخلت كفك يا من تعب وكدح وتساوى لديك من ذم ومن مدح ما هذه العمارة لدار خراب كلما عمرها قوم صاح بينهم للبين غراب أتبني وأنت نتقض هذا العجاب:
رب شريف البناء عاليه ** بالشيد والساج كان بانيه

كأنما الشمس في جوانبه ** بالليل من حسنه تباهيه

تحار في صحنه الرياح كما ** يحار ساري الظلام في التيه

كانت صحون فيح تضيق به ** فالشبر في القبر صار يكفيه

الجد الجد قبل بغتات المنايا البدار البدار قبل حلول الرزايا ليحلن بكم من الموت يوم ذو ظلم ينسيكم معاشرة اللذات والنعم ولا يبقى في الأفواه إلا طعم الندم:
سل بالزمان خبيرا ** إني به لعليم

واهي الأمانة ظاعن ** بالمرء وهو مقيم

لا تخدعن بمنية ** أم الخلود عقيم

وإذا المنية أبرقت ** فرجاؤك المهزوم

عشق البقاء وإنما ** طول الحياة هموم

ما هذه الخصال المذمومة أيؤثر الفهوم لذة مسمومة إن هذه لعقول مرجومة متى تيقظ هذه النفوس الملومة إنها لظالمة وكأنها مظلومة تعاهدوا والعهود كل يوم مهدومة لتتمنين أن تكون في غد معدومة لتعلمن أن اختياراتها كانت مشئومة من لها إذا بدت لها خصال مكتومة كيف تصنع إذا نشرت الصحف مختومة ما هذا الحرص الشديد والأرزاق مقسومة تصبح حزينة وتمسي مهمومة أتقدر على رد ما يقدر والأمور مختومة أسفا لها الموت يطلبها وهو مؤومة ما حاربت جند هوى إلا وعادت مهزومة يا لها موعظة بين المواعظ كالأيام المعلومة أحسن من اللآلئ المنثورة والعقود المنظومة.
الكلام على قوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون}:
سبب نزولها أنه لما نزل: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} شق ذلك على قريش وقالوا شتم آلهتنا فجاء ابن الزبعرى فقال مالكم قالوا شتم آلهتنا قال وما قال فأخبروه فقال ادعوه لي فلما دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله قال بل لكل من عبد من دون الله عز وجل قال ابن الزبعرى خصمت ورب هذه البنية ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وأن عزيرا عبد صالح فهذه بنو مليح يعبدون الملائكة وهذه النصارى تعبد عيسى وهذه اليهود تعبد عزيرا فضج أهل مكة فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس اسم ابن الزبعرى عبد الله كان يهجو أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والزيعرى بفتح الباء قال المفسرون وإنما أراد بقوله: {وما تعبدون} الأصنام لأنه لو أراد الملائكة والناس لقال ومن والحسنى عند العرب كلمة توقع كل محبوب ومطلوب قال امرؤ القيس:
فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ** ورضت فذلت صعبة أي إذلال

وقوله تعالى: {أولئك عنها} أي عن جهنم مبعدون والبعد طول المسافة والحسيس الصوت تسمعه من الشيء إذا مر قريبا منك.
وقال ابن عباس لا يسمع أهل الجنة حسيس أهل النار إذا نزلوا منازلهم من الجنة {وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون} أخبرنا عبد الأول بسنده إلى عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث وعنده رجل من أهل البادية فقال إن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له أو لست فيما شئت قال بلى ولكني أحب أن أزرع فأسرع وبذر فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده فيقول الله عز وجل دونك يا بن آدم لا يشبعك شيء فقال الأعرابي يا رسول الله لا نجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم انفرد بإخراجه البخاري قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} فيه أربعة أقوال أحدها أنه النفخة الأخيرة رواه العوفي عن ابن عباس والثاني أنها إطباق النار على أهلها رواه ابن جبير عن ابن عباس والثالث أنه ذبح الموت بين الجنة والنار قاله ابن جريج والرابع أنه حين يؤمر بالعبد إلى النار قاله الحسن قوله: {وتتلقاهم الملائكة} اختلفوا في محل التلقي على قولين أحدهما أنه إذا قاموا من قبورهم قاله مقاتل والثاني على أبواب الجنة قاله ابن السائب قوله: {هذا يومكم الذي كنتم توعدون} فيه إضمار يقولون هذا يومكم الذي كنتم توعدون فيه الجنة.
أين من يعمل لذلك اليوم أين المتيقظ من سنة النوم أين من يلحق بأولئك القوم جدوا في الصلاة وأخروا في الصوم وعادوا على النفوس بالتوبيخ واللوم ليتك إن لم تقدر على الإشمام لطريقتهم حصلت الروم قوله تعالى: {يوم نطوي السماء} وذلك بمحو رسومها وتكدير نجومها وتكوير شمسها {كطي السجل} وفي السجل أربعة أقوال أحدها أنه ملك قاله علي بن أبي طالب وابن عمر والسدي والثاني كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس والثالث السجل بمعنى الرجل روي عن ابن عباس قال شيخنا أبو منصور اللغوي وقد قيل السجل بمعنى لغة الحبشة الرجل والرابع أنها الصحيفة رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال مجاهد والفراء وابن قتيبة وقرأت على شيخنا أبي المنصور قال قال أبو بكر بن دريد السجل الكتاب والله أعلم ولا ألتفت إلى قولهم أنه فارسي معرب والمعنى كما يطوى السجل على ما فيه من الكتاب واللام بمعنى على وقال بعض العلماء المراد بالكتاب المكتوب فلما كان المكتوب ينطوي بانطواء الصحيفة جعل السجل كأنه يطوي الكتاب ثم استأنف فقال: {كما بدأنا أول خلق نعيده} وفي معناه أربعة أقوال أحدها كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة أخبرنا عبد الأول بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أنه قال إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين أخرجاه في الصحيحين والغرل القلف يقال هو أقلف وأغرل وأغلف بمعنى واحد وفي بعض الأحاديث بهما ومعناه سالمين من عاهات الدنيا وآفاتها لا جذام بهم ولا برص ولا عمى ولا غير ذلك من البلايا لكنهم يحشرون بأجساد مصححة لخلود الأبد إما في الجنة وإما في النار والبهم من قول العرب أسود بهيم وكميت بهيم وأشقر بهيم إذا كان لا يخالط لونه لون آخر فكذلك هؤلاء يبعثون معافين عافية لا يخالطها سقم والثاني أن المعنى أنا نهلك كل شيء كما كان أول مرة رواه العوفي عن ابن عباس والثالث أن السماء تمطر أربعين يوما كمني الرجال فينبتون بالمطر في قبورهم كما ينبتون في بطون أمهاتهم رواه أبو صالح عن ابن عباس والقول الرابع أن المعنى قدرتنا على الإعادة كقدرتنا على الابتداء قاله الزجاج يا له من يوم ما أعجب أحواله وما أصعب أهواله وما أكثر أوحاله مريض طرده لا يرجى له ذكر القيامة أزعج المتقين وخوف العرض أقلق المذنبين ويوم الحساب أبكى العابدين وأرى قلبك عند ذكره لا يلين أخبرنا محمد بن ناصر بسنده عن عبد الرحمن بن محمد المكاري عن موسى الجهني قال سمعت عون بن عبد الله يقول: ويحي كيف أغفل ولا يغفل عني أم كيف تهنيني معيشتي واليوم الثقيل ورائي أم كيف لا يطول حزني ولا أدري ما فعل في ذنبي أم كيف أؤخر عملي ولا أعلم متى أجلي أم كيف يشتد عجبي بالدنيا وليست بداري أم كيف أجمع لها وفي غيرها قراري أم كيف تعظم رغبتي فيها والقليل منها يكفيني أم كيف آمن فيها ولا يدوم فيها حالي أم كيف يشتد حرصي عليها ولا ينفعني ما تركت منها بعدي أم كيف أؤثرها وقد ضرت من آثرها قبلي أم كيف لا أفك نفسي من قبل أن يغلق رهني قال عبد الله بن الحسن بن عبد العزيز الجروي قال حدثنا عبد الله بن يوسف الدمشقي قال حدثنا محمد بن سليمان بن بلال أن أمه عثامة كف بصرها فدخل عليها ابنها يومًا وقد صلى فقالت أصليتم أي بني فقال نعم فقالت:
عثام مالك لاهية ** حلت بدارك داهية

ابكي الصلاة لوقتها ** إن كنت يوما باكية

وابكي القرآن إذا تلى ** أن كنت يوما تاليه

تتلينه بتفكر ** ودموع عينك جارية

فاليوم لا تتلينه ** إلا وعندك تاليه

لهفي عليك صبابة ** ما عشت طول حياتيه

يا غافلا عن القيامة ستدري بمن تقع الندامة يا معرضا عن الاستقامة أين وجه السلامة يا مبنيا بالقدرة سينقض بناؤك ويا مستأنسا بداره ستخلو أوطانك يا كثير الخطايا سيخف ميزانك يا مشغولا بلهوه سينشر ديوانك يا أعجمي الفهم متى تفهم أتعادي النصيح وتوالي الأرقم وتؤثر على طاعة الله كسب درهم، وتفرح بذنب عقوبته جهنم ستعلم حالك غدا ستعلم سترى من يبكي ومن يندم إذا جثا الخليل وتزلزل ابن مريم يا عاشق الدنيا كم مات متيم يا من إذا خطرت له معصية صمم ما فعلك فعل من يريد أن يسلم ما للفلاح علامة والله أعلم إن كان ثم عذر فقل وتكلم أيها المثخن نفسه بجراحات الشباب حسبك ما قد مضى سودت الكتاب أبعد الشيب وعظ أو زجر أو عتاب هيهات تفرقت وصل الوصل وتقطعت الأسباب:
حسبك ما قد مضى من اللعب ** فتب إلى الله فعل مرتقب

طواك مر السنين فاطو ثيات اللهو ** واخلع جلابيب الطرب

وتب فإن الجحيم تنتظر الأشيب ** إن مات وهو لم يتب

تظهر منها عليه أغلظ ما ** تظهره للشباب من غضب